سيدنا موسى عليه السلام والأمل في المغفرة!

 

دائما ما كان الإنسان يرى الأنبياء جميعا لا يخطئون فيستصعب ان يقتدي سيرهم ومنهاجهم ، فجهاد النفس مهما بلغت درجته لا يمكن ان يصل الى تلك الدرجة من النقاء الرباني والصفاء الداخلي التي يتسم بها أنبياء الله تعالى ، فإن الأنبياء محصنين بحصن الله عز وجل ومؤيدين بنصره وقدرته فها هو سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء يحارب الشيطان الذي تمثل له في كل الصور محاولا إغراؤه وغوايته لكي ينأى عن تنفيذ أوامر الله عز وجل في ذبح ابنه إسماعيل لكنه لم يلتفت ولم يستسلم لنفسه وعاطفتها الجياشة تجاه الأبن ، ان جهاد سيدنا إبراهيم في تلك الموقف كان جهادا عظيما لا تحتمله النفس الإنسانية فكيف لنا بأن نقتدى بخليل الله إبراهيم في امتثاله لأمر الله تعالى في ذبح أولادنا انه لشيء عسير ، أما على الجانب الآخر فأننا نرى مثالا مغايرا تماما في رواية النبي موسى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فقد كان له نموذجا مختلفا في قصص القرآن الكريم ، فقد فتح لنا سيدنا موسى أبوابا من الأمل للرحمة والغفران فقد رأينا كيف تم إغوائه عن طريق رجلاً من شيعته لقتل رجلاً من عدوه قال تعالى:” وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ”

لقد حدا الإنسان الآمال في مغفرة الخالق العظيم وتجاوزه عن السيئات فقد أعطانا سيدنا موسى بارقات الأمل في مدى كرم الله ورحماته بخلقه فقد يخطيء الإنسان ويخطيء لتصل أخطاؤه لحد ارتكاب كبيرة من الكبائر ، هنا يشعر الإنسان بصدمة مفجعة تجعله يشعر بالآسى والحزن والحسرة التي تعقب الذنب ، يعود مرة أخرى يندم ويستغفر ويبكي على أعتاب محراب العزيز القهار ويتضرع بالدعاء لمولاه الذي يعلم ضعف نفسه وقدراته المحدودة ، فلا يأس مع التوبة فالإستغفار هو دواء القلوب وشفاء للأبدان ، فكم من عاصي طهره الندم على خطاياه وبكى حتى جُفت عيناه وظل يذرف الدموع حتى سمت روحه إلى عنان السماء فأصبح في مصاف الصالحين والأتقياء .

كيف لا يعتريك الأمل و كليم الله يمنحه لك في مواقف عدة في أجمل القصص القرآنية ليعلمك أن اليسر يأتي بعد العسر وأن الفرج يعقب الكروب وان التوجه إلى الله العظيم بالدعاء والإستغفار يكون جزاؤه الرزق والسعادة قال تعالى:”” {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)}

ان الإختلاف الذي ميز سيدنا موسى عليه السلام عن جميع الأنبياء عليهم أفضل الصلاة واتم التسليم هي تلط الطبيعة الإنسانية التي ظهرت بشكل أكثر وضوحا في هذا النبي الكريم “كليم الله ” وما أدراك من هو كليم الله ، فأي مكانة بعد تلك المكانة العالية لنبي الله موسى عليه السلام ، الذي كلمه رب العالمين من فوق سبع سماوات قال تعالى :﴿ إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى، فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ، إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾.

من ناحية أخرى بدى في إستفسارات سيدنا موسى بسورة الكهف كيف غلبت عليه عاطفته الإنسانية ومدى تعجبه وتلهفه على معرفة أسباب تلك الحوادث الغريبة التي حدثت على يد الخضر عليه السلام تنفيذا لأوامر الله عز وجل ، ان سيدنا موسى صلوات الله وسلامه عليه لم يكن على علم مسبق بتلك الأوامر ولم يوحى اليه كيف يتصرف في تلك الأحداث رغم انه النبي الكليم ” كليم الله “.

قال تعالى” فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً{65} قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً{66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً{68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً{69} قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً{70} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً{71} قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً{72} قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً{73} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً{74} قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً{75} قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً{76} فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً{77} قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً{78} أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً{79} وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً{80} فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً{81} وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً (82).

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وعلى الأنبياء أجمعين وعلى نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين . 

 

تم عمل هذا الموقع بواسطة